top of page

التحليل النقدي المختصر لقصة "شهية" للكاتبة غادة هيكل/ للكاتب علي البدر / العراق ............

  • صورة الكاتب: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • 17 أبريل 2022
  • 4 دقائق قراءة


1) التحليل النقدي:

لأول وهلة تمنحنا الكاتبة ومضة مضيئة flash point "....قطرات دماء لوثت ثوبها الطاهر..". وصِفةُ "الطاهر" دلالة سيميائية symbol بأن الفتاة وقعت ضحية سوء تصرف نتيجة كبتٍ سبب لها ضغطا حيث استغلها أحد المحارم :" .... نيران ملتهبة تحرق فراشها ليلاً فلا يغمض لها جفن ، وتسكن أضلعها نهارا فتحيل البيوت الآمنة إلى حريق يلتهب، ليروي ظمأها للحقد، ويؤجج رغبتها في سكون ما خلف الجدران في الليل..."

. ولكن هل يجوز لفتاة يفترض ان تكون طاهرة ان تتلصص على الاخرين لاجل زيادة اللهيب الذي في أعماقها أم أن الطهارة مرتبطة بعذرية الفتاة؟ إن الإفتراض الثاني هو الأرجح حسب تعاطف الكاتبة مع الضحية ، ومع العرف السائد خاصة إذا كان السلوك المنحرف غير معلن أو مكتشف.

وعندما يمتلك الأب أو الجد سلطة المال وصفة التحكم والسيطرة لدرجة التعسف فيكون "كالتابو Taboo" أي الشيء المحرم تجاوزه. ومثل هكذا تجمع عائلي لايمكن ان يسيطر عليه إلا من خلال الشخص المؤثر الذي لايجرؤ الاخرون على مناقشته . وحسب علمي من المقبول ان يجمع الرجل أبناءه مع زوجاتهم ومن الغريب أن يجمع الأب أزواج بناته معه في بيت واحد، خاصة في المناطق الريفية حيث يبتعد أو يتغيب الأخ في ليلة زفاف أخته فكيف الأب؟

لقد أبدعت الكاتبة في وصف ما يختلج الفتاة من انفعالات : " ويدان تعبثان بالفراش نهارا وأنفاس تعلو وتهبط ... لم تعد تحتمل تلك الهمسات بداخلها، لقد تدرجت إلى نيران ملتهبة تحرق فراشها ليلاً فلا يغمض لها جفن... فارت النيران مع أول لمسة عبثية ، دخلت فى غيبوبة النشوة... ". وهنا لابد من رد فعل يساعدها في التخفيف عن ضغط انفعالاتها غير المشبعة والمُطَمَّنة، حيث يدفعها عقلها الباطن unconsciousness إلى إثارة المشاكسات بين النسوة: " فالنساء ينمن وحيدات بعد يوم مشحون بالعراك بفعلها وتدبيرها ،تطلق ضحكات الشماتة وتغلق بابها بعنف لتغيظهن.". ولكن لابد أن يقود تصرفها هذا إلى سلوك أعمق حيث تهون المجازفة رغم خطورتها ، غير مبالية لعواقبها التي لابد ان تشعر بها ان لم تدمرها، بعد تصريف الطاقة المكبوتة depressed energy" فارت النيران مع أول لمسة عبثية ، دخلت فى غيبوبة النشوة.. لحظات فقدت معها أنوثتها، لوثت ثوبها ،أطفأت نيران جسدها وأشعلت نيران العار الذي لحقها أينما وجهت وجهها .."، حيث الندم وتأنيب الضمير اللاشعوري الذي هو الحد الفاصل بين الوعي consciousness الذي يتماشى مع العادات والتقاليد الاجتماعية او ما تسمى التركيب الفوقي للمجتمع upper structure ، وبين كل الرغبات غير المشبعة التي كبُتَتْ لاإراديا. ألكبت اذن له فوائد في التوازن الاجتماعي. إن إلضمير هو الذي يؤنبنا عند اي انحراف أو عمل غير سوي. وفعلا فإن الفتاة " لم تعد تسمع سوى أنين روحها خالية الوفاض ، وآلام ضلوعها التى يسكنها الشوك ،وفراش ملوث لم تعد تستطيع النوم عليه ."

مما تقدم، نرى قدرة الكاتبة على وصف الإنفعالات من خلال عملية تقمص مبهرة unique reincarnation . وهذا غير مستغرب من هكذا كاتبة تمتلك مفاتيح كتابة القصة القصيرة. وقد تركت القاصة للقاريء أن يكملها وعليه فإن الثيمة theme قد استوفت دلالاتها وباتت النهاية إما القتل لغسل العار أو الهروب وهذا اضعف الإحتمال، ولكن العيش تحت نفس السقف يكون افتراضا غير وارد حسب رأيي المتواضع. وبخصوص عتبة القصة نرى أنها في الخاتمة أصبحت "غير شهية" وذلك بسبب الاستدراج اللافت والمقتدر الذي قادتنا اليه القاصة "غادة هيكل" وكأنها تحذر الاباء أو الأجداد وتجعلهم أكثر حيطة وأقل صلابة في فرض هكذا اراء تبدو بالية في ايامنا هذه. تذكري ايتها البنت. مهما يكون جمالك شهيا فإنك ستكونين تافهة ليست بنظرك فقط وانما بنظر من ساهم في تفريغ طاقتك المكبوتة بطريقة غير سوية، يرفضها المجتمع اعتمادا على قيمه السائدة.. إن القصة كصعقة لابد من تلافيها خاصة في زمن العولمة والتنوير والتواصل الإجتماعي.

علي البدر

2) القصة

شهية

*****

عاشت مع روحها كالكوب الفارغ، لا يملأها سوى قطرات دماء لوثت ثوبها الطاهر فأصابها الصمم عن الحق، والبكم عن قول الحقيقة.

لم تكن سوى زهرة متفتحة فى مقتبل العمر ، نحلة يروي شهد لسانها الصغير والكبير ، يرقة يا نعة تشق طريقها نحو الأنوثة بهوادة وكبرياء، لا تعرف للخنوع طريقا إلا للحياء ، ولا يسكن ضلوعها إلا الصفاء ، ولا يروي ظمأها سوى حلو الكلام الذى يملأها نشوة ورغبة فى الحياة ، كما فرسة رعناء لا يوقفها سوى لجام فارس تنتظر قدومه ليروّضها بقوة ويرضيها باشتهاء .

من بين فتحات الثقوب تتعرف على عالم الأزواج الذى تكتظ به الدار، فهى الصغرى من بين عشرة رجال ونساء تحويهم تلك الجدران بأمر من الكبير ،فهو يرى فى لمة أبنائه عزوته وكبريائه وقوته.. بنى لكل منهم حجرته الخاصة واشترط على من يتزوج بناته أن يسكن معهم كإبن له وربيب أسرته الكبيرة ، وهكذا لن يقدر على كسر شوكته أحد ولن ينال منه الطامعين فيه .

انطلق الجسد الصغير نحو النمو، وأصبح لها نهدان ينبئان عن أنوثة طاغية ، وشعر مسترسل كما الليل الحالك ، وشفاه تستدير فوقها الفراولة الناضجة، فلا تميز أيهما تأكل ،فهى وجبة شهية.. لمن ؟

عيون تتلصص الضحكات في الليل ، ويدان تعبثان بالفراش نهارا وأنفاس تعلو وتهبط مع ابتسامة غيظ مكتومة كلما رأت إحداهن تلتف ببشكير لا يستر منها ما تريد هى أن تكشفه ،

لم تعد تحتمل تلك الهمسات بداخلها، لقد تدرجت إلى نيران ملتهبة تحرق فراشها ليلاً فلا يغمض لها جفن ، وتسكن أضلعها نهارا فتحيل البيوت الآمنة إلى حريق يلتهب، ليروي ظمأها للحقد، ويؤجج رغبتها في سكون ما خلف الجدران في الليل.

تحققت أمنيتها وستهنأ بليلة لا يعلوا فيها سوى صوت السكون ،فالنساء ينمن وحيدات بعد يوم مشحون بالعراك بفعلها وتدبيرها ،تطلق ضحكات الشماتة وتغلق بابها بعنف لتغيظهن ولكن:

تقف لترى انعكاس صورتها فى المرآة، لم تكن هي.. بل هذا المراقب لها ليل نهار دون أن تدري، يعلم بمكنون نفسها ، وضجيج جسدها ، وتلصُصها فى الليل الحالك لترى ما تستره الأبواب .. يرى النشوة فى عيونها كلما غضبت إحداهن وهُجر فراشها ،يسمع همسها لمرآتها وتلمّس يدها لجسدها . دقائق ثقيلة يتبادلان النظرات رغبة ورهبة، خوفا وترقبا حياء ومجونا، تراجعا واستسلاما، وعجز اللسان عن الكلام .

فارت النيران مع أول لمسة عبثية ، دخلت فى غيبوبة النشوة.. لحظات فقدت معها أنوثتها، لوثت ثوبها ،أطفأت نيران جسدها وأشعلت نيران العار الذي لحقها أينما وجهت وجهها ، آثرت الصمت حتى لا تهدم كل الجدران ، فضلت أن تتعايش مع ذلها وخزيها صماء بكماء ، لم تعد تسمع سوى أنين روحها خالية الوفاض ، وآلام ضلوعها التي يسكنها الشوك ،وفراش ملوث لم تعد تستطيع النوم عليه، فافترشت الأرض كي تكبح جماح رعونتها ،ولطخت وجهها بترابها، وجعلت من شعرها الأسود ليلا طويلا حالكا يغطي عيونها الجميلة عن ضوء النهار، فلم يعد لها نهار، ولم تعد لها حياة ولم تعد شهية .

 
 
 

Commentaires


Drop Me a Line, Let Me Know What You Think

Thanks for submitting!

© 2023 by Train of Thoughts. Proudly created with Wix.com

bottom of page