الشاعرة عواطف الرشيد في ديوانها ( أصبحت للصيف رملاً / الناقد // د.عباس الجبوري/ العراق ............
- وهاب السيد
- 27 أغسطس 2022
- 9 دقائق قراءة
الشاعرة عواطف الرشيد في ديوانها ( أصبحت للصيف رملاً ) بين الموضوعي والمحتمل في الإبحار الشعري ..
ربما تقدير ما تقوله من قصائد في متن هذا الديوان ، دالة على الثبات والاستقرار، فإن الشاعرة تحاول أن تتحدث عن حقيقة قطعية في مخيالها، على الأقل بالنسبة للذّات الشاعرة، ورؤيتها الخاصّة لنفسها ، للواقع للأدب وللعالم.
ولدت الشاعرة عواطف الرشيد في محافظة ديالى / العراق استاذة بكلوريوس لغة عربية ...وضعت اهتماماتها بالشعر والنقد ، إلا إنها كانت إلى الشغر أقرب من النقد ، في سبيل اثراء الشعر النسوي كي ياخذ قسطاً وافراً من الاهتمام في أدبنا المعاصر بعد ظهور نخبة من الشواعر اللائي استطعن فتح ثغرة في القيود المفروضة حول إبداع المرأة , وتشكل الشاعرة عواطف رشيد انعطافة محدثة في الشعر النثري النسوي المعاصر في العراق لمكانتها المتميزة في خارطة الشعر الديالي ، حيث استقت أفكارها من شدو نهر الوند الذي يغري الباحث عن الشعر باقتفاء لذته والبحث عن معطيات ثرائه الدلالي والأسلوبي ، ولعل استقصائها للشعر ، يعود لمزاوجتها الواعية بين التجربة الإبداعية والتخصص التربوي المتأصل فيه التراث الأدبي ومعطيات الحداثة مما ترك أثره في تشكل جماليات بنية قصائد الشاعرة عواطف رشيد ..
يشكل ديوان ( أصبحت للصيف رملاً ) ذي الاربعين قصيدة ، منجزاً شعرياً في الطريق إلى ذروة تجربتها الإبداعية عبر نجاحها باستنطاق اللغة وقوة المفردة واشتغاله على منظومة من العلاقات الأسلوبية والبنائية بحثاً عن مفاتن موسيقية تتبع من بنية النص من قصيدة إلى أخرى، ولا تكتفي باليات الشعر المعروفة بل تشابك هذه الآليات بحشد من التوافقات غير المعلنة بين الألفاض والدلالة وهارمونيا الإيقاع والفكرة على نحو يجعل من شعرها نصاً ذا خاصية إيقاعية لا يمكن الكشف عن ملامحها بيسر بل تحتاج إلى إدراك جمالي وفلسفي متمعن بكل عمقه وثرائه وإشكالياته، ولعل قصيدة ( أصبحت للصيف رملاً ) واحدة من أغنى قصائد الديوان بل من انضج منجزات الشاعرة، فهي لا تعتمد على انسياب زمنية الوزن والإيقاع بشكل ودود شجي فحسب، بل يتعدى ذلك إلى توظيف مهيمنات الحروف لضبط قوة الرمز وتغني نبرته الدلالية كما أنها تعتمد التناوب الإيقاعي والارتفاع والانخفاض الهارموني وتوظيف علاقات التلاقح والتراوح بين كلمات قصيدتها بطريقة مدروسة ، بشعرية عالية وظفت تقانات التماهي بين الموسيقى الداخلية والخارجية بلعبة ذكية خلقت نصاً يؤازر بعضه بعضاً لينهض بشعرية عالية ، وهذا ما دفعنا إلى مقاربة القصيدة إيقاعياً بغية الكشف عن جماليات بنيتها النصية، التي سنةردها بالتحليل.
والشاعرة في هذا الديوان تُصدِّر شعريةً تطمح فنياً لأن تخلق من الأنثى مركزاً استقطاب ادبي لبنات جنسها في محافظه ديالى العريقة بالثقافة والإنسانية ، هذه الشعرية تحدد عبورها من الذات إلى العالم الإفتراضي وعودتها إليه بعد أن صار على مقاسها هي، عن طريق بصيرة تلوذ بالخيال لتجعل منه مادتها الخام الذي عن طريقه تنتقي وتنظر ثم تعيد النظر ، وبعدها تخلق وتنفخ الروح فيما خلقته وكأنها إحدى ملكات دولة اشنونا ..
أثبتت الشاعرة عواطف الرشيد في قصائد ديوانها ( أصبحت للصيف رملاُ ) أن الإعجاز الشعري حالة ذاتية قدسية في ذات الشاعر المتمكن من أدوات النظم الموسيقي الشعري في منظومة السياق المتعارف عليها ..وان النماذج المطروحة في هذا الديوان ، مطلة على التقدم ، عصفت بها رياح النثر في قوة الحرف ودلالة الكلمة والمعنى ، أصبحت السمة المميزة في أغلب قصائد الشاعرة المشحونة بالوجدان والعاطفة وهم الوطن والفلسفة الرمزية .. وهذا يقودها إلى نظم البديع لما في هذا العلم من تميز بما يحقق للشاعر فرادة تميزه باسلوبه عن غيره ، بذلك خلقت الشاعرة العراقية عواطف الرشيد ، حضورا كثيفا لافتا للنظر على منصات التواصل الاجتماعي الإلكتروني وفي الساحة الشعرية لإحكام العلاقة بين علم المفردة والشعر ، لا من الناحية الجمالية فقط ،بل انه يؤدي دورا بارزا في المعنى والتركيب ، مع ان شاعرتنا لم تحظ بدراسات نقدية كثيرة تسلط الضوء على مشروعها الشعري بتقانات ابداعية بم يميزها بحداثة وعمق النص الشعري عن طريق توظيف تشكلات جديدة في التعبير الذي تنتهجه في تجربتها ، بالكشف عن الدلالات ، وصناعة الجمال ، بينما هناك من يدعي الشعر ، اخذ مجاله في النقد ، ولم يكن لديه مجموعة شعرية وإنما مجرد سطور تسمى قصائد، بل غلبت في هذا الاتجاه ، المجاملة والمحاباة وروح النفاق ، وهنا الإختلاف، بأن شاعرتنا تضفي عبر دقة استخدامها وتوظيفها نتاجها الشعري المتمعن ، تؤسس لمخرج محكم للحبكة التي امتازت بها القصيدة العراقية والعربية النسوية عندها ، بما يفي بما يسعة النقاد لملاحقتها فيما يكون للناقد السعة من الوقت والجهد لإخضاع قصائد الشاعرة لسياقات مدارس النقد وتوضيفاته ، وبهذا يكون للنقد المهني كلمته في التفكيك والتحليل النقدي لإظهار جواهر ما تحتويه قصائد الديوان، التي انتقيناها متغلغلة في حيز الواقع لا الملهاة فقط، وهي بكل تأكيد ناتجة عن صيرورة الحدث الذي عايشته الشاعرة في المجتمع والبيئة قد تكون سنين عجاف، فخرجت من إرهاصاتها بتلك الصور التي رسمتها من رحم تلك الاحاسيس، لكونها تمثل تعبيراً صادقاً لواقع مفروض ومعاش.
تعد الشاعرة " عواطف الرشيد " صاحبة خطٍ شعريٍ مميز ضمن شعراء الجيل الجديد الذي ظهرت شعريتها وترسخت في تجربة قصيدة النثر في الشعرية العراقية ، استكمالاً وتعضيداً ومجاورةً، لتوجه وإبداع وإنجاز الموجتين الشعريتين الحداثيتين، المعاصرة والمرحلة وَفْقَ هذا السيّاق، يُمكنُ الاستعانة بالشّاعرة نفسها، وهي يتقاربُ معنى هذا التقابل فِي المقطع ( متى أكونُ أغنيةً عراقيةً لا تؤمن بظلمةِ الأوتار ؟ ) من قصيدة ( هزيمتي في وليمة الدمع ) ابذي يكوّن اطاراً شاملة لهذه القصيدة :
هزيمتي في وليمةِ الدمع!
متى أكونُ أغنيةً عراقيةً لا تؤمن بظلمةِ الأوتار ؟ في ضواحي قلبٍ مثقوبِ الذاكرة أنا طريدةُ الأمسِ البعيد عراقيةٌ أنا.. مَنْ يأتي بالغدِ على مائدتي؟ وكلّ القوانينَ تحتضر عراقيةٌ أنا.. في اغماضة عينيّ معصيةُ البحر وليلةُ السعي بين آدمَ وحواء ، أنا..نميمةُ الغرائب خانني البوابُ في مدخلِ السُور ورعاني الخرسُ في صمتِ المدينة صمتٌ … في سرّه رعشاتٌ محنطة.. سأسعى إلى ايصال صوتي إليك أيّها الربّ أجعلني أكثرَ بكاءً كلّما بسطتُ يديّ أنزفُ حسراتِ الحُفاة ودروبُ الأمسِ هل تعود بمليون نخلةٍ شهيدة؟ و نزواتُ النَّهي لا تفضي إلى اسدٍ في الأثر.
عواطف صبري رشيد
من خلال هذه القصيدة ، التي بداتها بجملة فعلية ، فالعنوان دال على الحرب التِي تخوضُهَا الذات الشّاعرة فِي الحياة. لكونِهَا تُبْحِرُ كلّ يوم فِي الماء واليابسة، في مواجهة دائمة مع كل ما هو غير إنساني، وهو ما يُحيلُ عليه كلمة ( طريدة ). تعدُّ هذه الصورة الشعرية فاتحة القول الشعري الذي تطمح الذات الشاعرة الخوض فيه، والعمل على تبليغه للمتلقي. ويظهر أنه يتأسس في كل من الذات الشاعرة التي تترنح في المحتمل الموضوعي ،بين خطاب الحب وخطاب والوجود ثم المعاناة ،. وذلك، بعد تجربة حياة شعرية مونقة. وهي ما تشير إليه الشاعرة في المقطع ( عطرك محفور بمسامات هواجسي ) من قصيدة ( رحلة ). نعرضها للقراءة :
رحلة نازحة ولي دلالة اللحاق في غياهب الشوق عطرك محفورا بمسامات هواجسي بهذا القدر من جراحاتي يصلي نافلة اللقاء تنسلخ الروح من وجع الارتواء لتستوي على يديك حمی على قارعة ذاكرتي أعتق الأحلام يسبح الدمع في خصر الشراع ويرسل الهمس فيتماهي الاشتهاء رغبة لا تثمل الشرود وقلبي يرتشف الرضاب .
لقد ظهرت تيارات شعرية شابة متواشجة مع ثورة مواقع الاتصال، تسعى لأن تستفيد من الأساس الذي سبق وضعه والحفر عليه من الأجيال الأسبق والمنجزات الفنية والأطر الجمالية المتحققة ومن ثمَّ تنطلق لحيِّزٍ أبعد وأعمق، قوامه البناء فوق مدارج القيم التي ناضلت التجارب الشعرية الأسبق لترسيخها، في المعنى والمبنى، ثم النظر المتعمق في وضعية الإنسان المعاصرة وملابسات وعيه وكيفية استقباله للوجود وأبعاد كينونته الحالية، وفي التخفف من المجاز الثقيل الذي ينطلق من مفهوم أن اللعب اللغوي الشكلي هو المنبع والمصب، وكذا التحرر من الرومانسية البسيطة لحساب إخراج المشاعر الإنسانية وتفكيكها وإعادة صياغتها بالتساؤل والمحاورة للكشف عن حقيقة وصيغ تموضعها في خريطة العلاقات الإنسانية المعاصرة.
تؤكد لنا الشاعرة بإيضاح شعري يحدد منهجها ورسالتها وطريقها وطريقتها في ديوان ( أصبحت للصيف رملاً) بأنها لن تكون حجر في طريق ترتطم به امرأة تركل المسافة ..بل انها تسحب سقف العالم في حجرها..لا تكترث سوى الرابضين في الخيام يعدون مؤونة الشتاء من الصيف ...حيث نلتقي هنا بالبطل المهيمن الذي هو امرأة، لا تَعتدُّ كثيراً بالالتقاء المباشر مع العالم بل تستبدله بسحب هذا العالم إليها ومراقبته على مهل ومن ثَمَّ إعادة تفكيكه ثم صياغته قصائد من جديد ، عن طريق رفده بالخيال الجامح الذي ينتقل بحرية بين الزمان والمكان والأساطير والحكايات والشِعر: " سأسعى إلى ايصال صوتي إليك أيّها الربّ أجعلني أكثرَ بكاءً كلّما بسطتُ يديّ أنزفُ حسراتِ الحُفاة" وترقص على معاصم الحروف الماً حتى يذوي الليل لما يجن التعب ،لتعود بمليون نخلةٍ شهيدة؟ "
إنها تعود ترسم كونها في صفحاتها، في قصيدتها بالذات: " اصبحت للرمل صيفاُ.. " لتزيد من يقين القدرة الأنثوية التي تستعيد عنفوانها المتجدد على الدوام، يقينها في إرادتها الحرة التي سترى دوماً ما تريد: "عراقيةٌ أنا.. مَنْ يأتي بالغدِ على مائدتي؟ وكلّ القوانينَ تحتضر " ليتم اكتمال رؤيتها "عراقيةٌ أنا.. مَنْ يأتي بالغدِ على مائدتي؟ وكلّ القوانينَ تحتضر"
فبعد أن تمت إزاحة الخاص إلى العام ، والكون خارج البيت، كانت عملية استعادته، بعد إعادة صياغته، تتم عن طريق الفن و الشِعر بالذات، حتى ظهر الواقع في حقيقته " وليلةُ السعي بين آدمَ وحواء ، أنا..نميمةُ الغرائب خانني البوابُ في مدخلِ السُور ورعاني الخرسُ في صمتِ المدينة صمتٌ … في سرّه رعشاتٌ محنطة.. " ليصير الكون كله رجل وامرأة، حران في الزمن، تحملهما الأساطير وتحلق ويخترقان الزمان والمكان بإرادة عشقهما الموار، وأجنحتهما النشطة دوماً، الذين هم وسائل هذا الخيال الذي لا تحد قدرته إلا قدرة واحدة : " سأسعى إلى ايصال صوتي إليك أيّها الربّ أجعلني أكثرَ بكاءً كلّما بسطتُ يديّ " إتجاه متسامي إلى الألوهية الحقة ونصعد عندها لحلقة أخرى من حلقات الاندماج، عندما تتماهى مع لحظة التوحد الحسي الشفيف حيناً والعنيف حيناً، فتشرق لحظات، انتفاء الأين و المتى والكيف، فقط لحظة لا تتمكن اللغة من الإحاطة بها، يتوحد فيها الكائن مع الكينونة: "" وكأن الربوبية الحقة لا تظهر إلا عند التوحد الكامل وكنتيجة مباشرة له.. لكنَّ هذا الواقع السحري، هذا الكون الجديد الذي صنعته أنثى الشاعرة وصاغته من النور والنار، بعد ذلك لا مناص من مراجعة الذات ومساءلة المرايا و أشباحها عن سبب تسرب الأحزان من كوةٍ لم تكن مُعَدَّة إلا للفرح وجنوح الأحلام حتى الثمالة: " هل تعود بمليون نخلةٍ شهيدة؟ و نزواتُ النَّهي لا تفضي إلى اسدٍ في الأثر."..
عند قرائتنا ،تنتمي لغة هذا الديوان لبلاغة تزاوج بين ألفاظ وجمل مألوفة في وأخرى أقرب لنا الى الرومانسية والمعاصرة.. حيث لا تلقي الشاعرة بالاً لأي وصفة جاهزة تحدد للمبدع كتالوجاً لا يحيد عنه وكأن ذلك هو صك العبور إلى الانتماء لفترة الإبداع ، لأنها استخدمت الجناس الشعري بشكل متقن ، يخدم توظيف معرفتها أو السليمة الشعرية، من حيث التناص والإستعارة للمفردة ، أو الانزياح ، والطباق ،التشبيه، الآطناب ، في كثير من مواضع قصائد الديوان .. و إن كانت لغة الشعر في ديواننا هذا قد تتطرف في أحيانٍ لدرجة بناء جمل لا يمكن صياغتها إلا تحت وعيٍ يؤمن بالمجاز وألعابه كمطلق وباللغة باعتبارهما غاية الإدهاش ومناطه ولعبته الأثيرة والواجبة لكنها بلغت التفوق ... لذلك نقول ... لقد نجحت الشاعرة عواطف الرشيد في ديوانها " أصبحت للرمل صيفاً " في الانطلاق أبعد كثيراً من تجربتها وامتلاك لغة ورؤية أكثر طموحاً ونضجاً حيث تمكنت من الوصول لانتاج تجربة كاملة ومترابطة عبر الحالة الكلية للعمل الإبداعي، في ديوانها الأول ، حيث تنافح عن الخيال باعتباره يقيناً مكتملاً في مقابل الواقع الذي غالباً ما يعتوره النقص والجفاف والتناقضات وكأنها تبدِّل الهاوية التي تودينا إليها حياتنا المادية وترفع بصيرتها برافعة قوية وهائلة ومدهشة من الخيال.. هذا المخيال المرن ، لدرجة أن يتحول مرةً لكونٍ كامل ومرةً أخرى يمكن اختصاره في مفردة ، من الرائع اكتناز الماضي والحاضر والحياة وتفاصيلها في أعطافه ولفتاته السحريةبأنامل انثويه . يبقى الخيال إذن بساطاً سحرياً يعطي الإنسان قدراتٍ ظل طول تاريخه يحلم بها ويبقى في نفس الآن، هروباً مشروعاً من واقعٍ من العسير تحمله....
فكأن الشاعرة تريد الإيحاء بان هذا العالم أضحى غابة تأكل الوحوش بأجساد البشر بل بمصائرهم وحيواتهم ، لكنها وضعب قيمة اعتبارية للرومانسية ثم تصرح الشاعرة بمعاناة وطنها بالرمز الذي يمثل ذات العراق ويتعاطى مع الحياة بصور مختلفة .
ان التوازي الحاصل بين المفردات يحيل على طباق دلالي بين ( الإحتضار ، الهواجس) اللذين ينقلان لنا ايحاءً بحالتين متقابلتين بل متناقضتين فالإحتضار بما يوحي به إلى الموت على اليابسة يقابله التوجس بين الأمل والترقب ، يقابل ذلك التقابل الدلالي بين القصائد من الحلم بما يحمله من لذة ورغبة في تغيير الواقع والمواعيد الشاحبة , ويبدو لي ان هذا التقابل الدلالي يحيل على التناقضات التي يعيشها الانسان العراقي وهو يرى هذه المفارقة الحادة التي يعيشها في زمن ضاع فيه الامل وتحطمت الاحلام.
وهناك توازٍ يقوم بالاتجاه نحو ذروة دلالية معينة تمثل الانفتاح الذي تسير دلالة النص باتجاهه ولذلك فان هذا النوع من التوازي يعمّق دلالة النص ويوجهها نحو القمة الدلالية التي تهدف الشاعرة الى التنوع الوصول لمبتغاها في خذه القصيدة التي اخذتها عنواناُ لديوانها ...فتقول الشاعرة :-
أصبحت للصيف رملاً
مثلما كنت أعرفه في آخر الانتظار دون وداع يتلاشى صراخ قلبي . ضريرة تتلمس ندب القلب تدس فيها رغبة ضوء أعوج أصبحت للصي في وشم حلمي العتيق يلتحف الأسى ، شغفه شبيه الاحتضار يخيط عباءة الغياب مواسم الجفاء خريف يتمدد هذا الفجر كاملا وأنا في كوة الظلام نسيت حقائبي أغنية في قطار لا تعرف وجهته ! هواجسي ينسل من ذلك النعاس مثل قصيدة رثاء العابر بأعماقي عتبى حد البكاء أين رحلت ؟
** هناك قاسم مشترك في المدخل الاستنباطي القصائد الثلاث من ديوان الشاعرة عواطف الرشيد هو الإنتقال الذهني من عدة تلميحات في (المقدّمات) إلى (النتائج) وفق قواعد المنطق، وليس بالضرورة أن يكون انتقالاً من العام إلى الخاص أو من الكلي إلى الجزئي، حيث يأخذ الاستنباط ، تصميم أشكال الاستنتاج،وقياس الجدل في مفاهيمه للإنفتاح على سبل اللغة ودلالاتها فيستطيع حينها أن يبدع الشاعر في إزالة اللبس والغموض فيخرجها من المكنون إلى ما يثير الذّهن والخيال، والرّغبة والاهتمام فضلاً عن بث الرّوح من جديد في ثنايا الألفاظ.
لذلك جاء تحليلنا لبعض قصائد الديوان أقرب إلى النقدية ذرائعية مستقطعة لقصيدة ( أصبحت للصيف رملاُ ) وفي البيان النقدي استطاعت الشاعرة عواطف صناعة الكلمة المتطورة في اللغة حقيقة مرتبطة بوسائل المعرفة الشعرية ، وعندما تغتني وتتسع هذه الوسائل لابد من ميلاد حقيقة وجود شاعرة ، تستخرج وتستنبط من ظواهر ملموسة يواكبها الفن والأدب نثره و شعره . يقول " أوزيا " : " ...يمكن القول وبكل وضوح بأنه من المستحيل تجاهل ارتباط الشعر بالمجتمع أو تجاهل مشكلة ،، أو رفض فكرة تأثير الشعب على المبدع ..." كما أن ارتباط الفلسفة بالشعر يعود لبدايتهما ( الفلسفة نفسها بدأت صياغتها بالشعر ) ، فكانت فلسفة الشاعرة في إرهاصاتها ردة فعل على غموض الوجود ورهبته ، فانطلقت في محاولتها الشبه أسطورية للتعامل مع الكون وفك ألغازه في قوالب وصيغ شعرية كما يعتقد " نيتشه " أن القول الفلسفي ، ككل محاولات القول الإنساني ، لن يستطيع الانفصال عن التعبير الشعري.
ومن واقع لمسناه من لغة الشاعرة مطابقا لقول الشاعر والناقد الأدبي الفرنسي" إيف بونفوا "في اللغة العربية : " ... هي مكان طبيعي للشعر ، ولها الطاقة الجمالية تفتح الكتابة العربية على أفق لا نهائي من الموسيقى". ولنتأمل حكمة اللغة عند الشاعرة في القفلة الأولى من قصيدة ( رحلة ) ..: " نازحة ولي دلالة اللحاق في غياهب الشوق عطرك .. محفورا بمسامات هواجسي بهذا القدر من جراحاتي يصلي نافلة اللقاء "
كما الشاعرة خلقت نوع من التوازن الانفعالي لغتها في قصائد ديوانها ( أصبحت للصيف رملاً ) ، أي أن لغتها أصبحت أكثر تواصلية من اللغة العادية الشعرية في استنباطها وتقاربها حتى يتعامل معها القارئ بحرية. إذ إستطاعت تبدل وظائف الحواس بذائقة قد تكون لم تدركها ، كونها استاذة لغة عربية في سياق مهنيتها ، ما تجعل الأذن ترى ، والعين تسمع ، والصمت يتكلم ، والكلام يصمت ... ولنا معكم موعد آخر في قراءة ونقد ديوانيها الجديد ابذي حطها في طريقه إلى الطبع ،، تقديري لجهودها المباركة لمنجزها الشعري بهذه الحيوية من العطاء ..دوام الموفقية.
24/8/2022
תגובות