«الفضاءات المفتوحه» ما بين المسرحه والخصوصيه / مقال لمحرر صحيفة فنون الثقافية الفنان حسام مسعد / مص
- وهاب السيد
- 23 نوفمبر 2021
- 8 دقيقة قراءة
«عروض الدوره السادسه من محور مسرح الشارع والفضائيات الغير تقليديه مهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى Sitfy نموذجا » »»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»«»««»»»»«»« منذ ان خرج ثيثبس بعربته الي الهواء الطلق ليشخص بعض المقاطع من الاساطير الأغريقيه في الساحات والشوارع وقبل ظهور العمارة المسرحيه بل وقبل نشأة المسرحيه كشكل أدبي .والإنسان القديم لا يعرف مكان للعرض المسرحي سوي المكان المفتوح في الهواء الطلق الذي يتمثل في الشارع والحدائق العامة والساحات والاسواق حتي حين ظهر المسرح( المدرج ) كانت عروضه تقدم في الهواء الطلق الي أن اصبح العرض المسرحي يتم نسبته الي مكان العرض فيشغف اذاننا مسميات عديده للمسرح ( البيئي والمفتوح والصحراء ومسرح الشمس ومسرح الشارع .....) وغيرها من المسميات التي جميعها تصب في مسرحة المكان او الفضاء المادي الطارئ إن الخروج بالعرض المسرحي خارج المكان المخصص للعرض المسرحي( العمارة المسرحيه)او بالأحري الخروج إلي فضاء مادي طارئ ومغاير وغير تقليدي يخلق غربة للمكان علي طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف أن هذه الغربه تحفز المتلقي من خلال وضعيته الجديده خارج العمارة المسرحيه وكيف تمنح هذا المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل قاعة مخصصه للعرض المسرحي. فلا تختلف العروض المسرحيه التي تخرج لتقديم نصوص مسرحيه جاهزه في الهواء الطلق و الفضاءات المفتوحه مع نظيرتها التي تقدم علي العلبه الإيطاليه طالما انها قدمت علي خشبة تشبه العلبه الإيطاليه داخل حديقة او في شارع او مبني اثري اوصحراء .....او .... وإتخذت مساحة الفرجة والتمثيل نفس شكليهما تقريبا في عروض العلبه الإيطاليه.
لكن السؤال الذي يثور الآن هو لماذا خرج المسرح الي الأماكن المفتوحه والهواء الطلق؟ الإجابة هي ذات السبب الذي جعل ثيثبس يمثل علي عربته في الساحات والشوارع باحثا عن الضلع الثالث والمتمم للعناصر الأساسيه للعرض المسرحي آلا وهو الجمهور.وإن كان الجمهور هو مبغي صناع اي عرض مسرحي يقدم خارج العمارة المسرحيه فإن الذهاب الي فضاء هذا الجمهور يستلزم مراعاة الخصوصية التي يفرضها المكان (حديقه-ساحه--شارع- صحراء-مكان اثري .........) وهنا يثور السؤال ماهو المكان المفتوح ؟ المكان المفتوح: هو اي مكان خارج العمارة المسرحيه والذي لا يخرج عن كونه مكان بكر جري مسرحته وليس له علاقة بوظيفة العرض المسرحي أصلا اي ان المكان المفتوح له خصوصية تنبع من 1-طابعه المعماري وإنفلاته الجغرافي2- طابعه الإجتماعي وقضايا الناس اليوميه . وهذه الخصوصيه خلقت غربه للمكان علي طبيعة العرض المسرحي التقليدي من حيث وضع المؤدي ومن ثم وضع المتلقي وهو يشاهد العرض وكيف تحفز المؤدي من خلال وضعيته الجديده خارج العمارة المسرحيه وكيف تمنح المتلقي إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي علي مقعد داخل العمارة المسرحيه والخصوصيه التي نقصدها والنابعة من الطبيعة الطارئه للمكان لأن الفضاء الغيرمسرحي هو فضاء طارئ تتم مسرحته أثناء العرض وتزول بعد إنتهاء العرض ويعود الي طبيعته المكانيه التي كان عليها قبل العرض . ومن ثم وجب علينا تعريف المكان الممسرح في عروض المسارح المفتوحه فالمكان الممسرح هو «ذلك الحيز أو الفضاء المادي الطارئ المشغول من خلال وجود المؤديين وعلاقاتهم بالجمهور او المتلقيين» وحيث إن طبيعة المكان الغير ثابته تخلق تلقائيا جوا من التحفيز ينطلق من حيوية المكان المفتوح ومسرحه الذي يتبني شعار إستخدام كل المساحة المتاحه جغرافيا ودون تقسيم بين منطقة الأداء ومنطقة التلقي التي تذوب في عروض مسرح الشارع علي سبيل المثال فإن وضع المتلقي في عروض مسرح الشارع ذلك المكان المحايد خلق تحديا أمام صناع مسرح الشارع ينبغي بحثه جيدا قبل الشروع في تنفيذ عروض مسرح الشارع وكيف تمنحه إحساس مغاير لوضعه وهو يشاهد عرض مسرحي في قاعة مسرحيه.مما يعني الزج بهذا المتلقي داخل رقعة الحركة والتمثيل من أجل إخضاعه لتجربة مغايره بها نوع من الصعوبة والمتعه وإحساس التشاركيه التي يجد المتلقي نفسه جزء من نسيج العرض. إن هذه التشاركيه هي امتزاج كل عناصر المسرح في منطقة فضائيه واحده هي فضاء الشارع الذي يدخل في حالة صيرورة الإندماج الذاتي مع عناصره مكونا سينوغرافيا طبيعيه قائمة بذاتها. ولذا فالخيال الذي يخلقه او يصنعه الممثل في مسرح الشارع يتحول تلقائيا الي مدرك حسي بطبيعة المكان وحدوده الجغرافيه والزمانيه إن إدراك المتلقي لخصوصية المكان عامة يحدث التحول في ذهنيته من مجرد تصور اللعبه التشخيصيه التي تحدث امامه الي وعي بأن ما يشاهده حقيقه ومن هنا يصبح المكان الممسرح في الشارع والذي ليس وظيفته الأصليه العرض المسرحي مكان يعتمد التجسيد الخيالي من خلال التوظيف الأشاري لهذا المكان الفارغ العشوائي إن التعارض بين العرض والمكان عادة ما يؤدي الي تحييد تأثير العرض ذلك ان قابلية تحول المكان الي مكان ممسرح تتسق مع الرسالة والموضوع الذي يكرسه المكان في اسلوبه فإذا تم طرح مشكلة وضع المقاعد علي الأرصفة خارج المقهي وكيف تؤثر علي حركة الماره علي الرصيف وتعرضهم للخطر اثناء سيرهم في الشارع فإن الرسالة التي يطرحها هذا المكان العارض بوضعه المقاعد علي الأرصفه هي رسالة دعائيه لجذب الماره ليكونوا من رواد المقهي لكن الرسالة الأصليه هي رسالة الشارع الذي يصبح الرصيف فيه ملاذ لكل الماره فإذا كان العرض المقدم في المقهي متفق مع موضوعه ومتسقا في اسلوبه مع النظام الذي يكرسه المكان (رصيف الشارع) ازدادت قوة تأثير العرض. إن الممثلين في مسرح الشارع عليهم ان يجذبوا المشاهدين وإن يكونوا حيز العرض ولذا فإن المكان في الشارع اصبح بعد مسرحته مكان مادي مشغول بالمؤدين والمتلقيين واكتسب صفة الفضاء المسرحي الذي يشترط لتحقق هذه المسرحه هو حركة الممثل فيه ووجود الجمهور داخل حيزه معتمدا علي نمط عشوائيته او شكل تكوينه الطبيعي او المعماري ولذا فإن فضاء الشارع الممسرح هو فضاء محدد وسينوجرافيته سوف تشمل منطقتين هما منطقة الأداء ومنطقة التلقي اللتين تذوبيين في لحظة تتمحور حول أبعاد قيميه وإنسانيه فالمكان في مسرح الشارع لايعطي المتلقي احساس انه يشاهد عرض او لعبا متأثر بالفضاء التخيلي او الوهمي ويرجع ذلك لأن عروض الشارع لا يستخدم فيها الإضاءة المسرحيه وعادة ما تعرض نهارا فتنتفي الفضاءات الوهميه والنفسيه والتخيليه حتي لو تم استخدام الإضاءة المسرحيه فإن الفضاء في مسرح الشارع اصبح وحدة واحده مندمجة لعدم الفصل بين المتلقي وممثل مسرح الشارع ان العشوائية الجغرافيه تبقي علي حالها في شكل ومحتوي المكان المختار للعرض وبالتالي فطاقة الممثل تتناسب طرديا وتلك العشوائيه فطاقة الممثل في عروض مسرح الشارع كمكان ممسرح بعشوائيته الجغرافيه قد يعطيه الأنفلات في الإرتجال وقد يدفع الممثل الي التمرد والمشاكسه علي الإرتجال والذي يعني فن الخلق في لحظة التنفيذ وهذا الإنفلات الإرتجالي نابع من هواجس صناع مسرح الشارع القائمة علي إمكانية توليد علامات متدفقه فالمكان في مسرح الشارع غايته توليد إشارات مسرحيه بلا حدود لتدل علي معاني متناهية ناتجه عن التشكيل في المكان او الفضاء او حيز الشارع . وهذا التشكيل في مساحة المكان لا يهتم بالمساحة من الناحية النظريه بل يهتم لكونها اصبحت أداة تميز لنشوء علاقة بين الممثل والمتلقي لا تتحقق إلا بالتركيز الذي لن يتأتي إلا إذا توحدت الرؤيه في ظل ظروف موضوعيه بين المساحة والأداء. ولذا فإن طبيعة الأداء في الشارع تكون ذات خلق وارتباط المبدع بالمكان ذاته فالمكان في مسرح الشارع يشكل العرض ويشكل طبيعة الأداء وبالتالي فإن المكان في مسرح الشارع يعتمد قيمة ما يقدم من شكل ومضمون للعرض وقيمة اداء الممثل لبلوغ الغايات الدلاليه لعرض مسرح الشارع لذا فإن المكان في مسرح الشارع هو المحفز الرئيس لصناع العرض الساعين دائما لأن يبلغ فنهم الي المهمشين والغير قادرين للذهاب إلي المسرح في مكانه التقليدي الثابت داخل العمارة المسرحيه .ولأن المكان في الشارع يكتسب جماليته من كونه فضاء صاخب ومنفلت تتحرك فيه الدلالات بسهولة ويسر ولأن هذا المكان هو في الأصل فضاء للمتلقي الذي تتم مناقشة قضاياه اليوميه فيه عقب دراسات ديموجرافيه وسيسيولوجيه وسيكولوجيه هي بمثابة المدخل الأول والمكون لروابط العلاقة الثنائيه التي ستنشأ بين المتلقي وممثل مسرح الشارع . لذا إن مسرحة المكان في الهواء الطلق او في الفضاءات المفتوحه تتطلب مراعاة خصوصية المكان ومناقشة قضايا تتسق وديموجرافية المكان والأثر التاريخي والسيسيولوجي له في نفس المتلقي . وعلي سبيل المثال إذا انتقل العرض الي الباديه فإن مراعاة الطبيعه المكانيه وتوظيف الطبيعه الجغرافيه والمفردات البيئيه في تكوين سينوجرافيا العرض لهو امر جمالي يضاف الي جماليات العرض وينتج الأثر التفاعلي مع المتلقي الذي يبحث في بلوغ الغايات الدلاليه من العرض وفلسفة ووظيفة نقل مثل هذا العرض من مكان مخصص للعرض المسرحي الي فضاء بكر تمت مسرحته وفق مراعاة خصوصية هذا الفضاء المادي الطارئ . ويظل السؤال عالق وحائر لماذا ننتقل بالعرض المسرحي الي الصحراء علي سبيل المثال لا الحصر إن لم تكن هناك ضرورة سينوغرافيه ؟اي أننا نوظف المنظر الطبيعي البيئي لخدمة العرض المسرحي إن الباديه او الصحراء لا يسكنها الناس فالإنسان يفضل الإستئناس بواد ذي زرع اي ان انتقال العرض المسرحي للصحراء ليس بحثا عن الجمهور ولكنه لتوظيف البيئه لتخدم العرض المسرحي فليس من المنطقي ان يذهب عرض للصحراء وهو يناقش قضية العمال في المصانع الاوربيه أو ان يناقش إضراب البحارة اليونانين عن العمل إلا إن كان توظيف هذا المفرد البيئي قضية اساسيه ترتبط وقضية العرض المطروح .فنص «الحسين ثائرا » يمكن عرضه في الصحراء واستخدام مفردات المكان من الخيام والخيول والجمال وإستخدام الفضاء في تصوير معركة مفتوحه بين أنصار يزيد وأنصار الحسين كما يحدث في الطقس الشيعي المعروف ب(التشابيه ) .هكذا يكون الحال حين يخرج العرض المسرحي من قاعات العرض المخصصه له للعرض خارج العمارة المسرحيه دون مراعاة الطبيعه الماديه والمعماريه والجغرافيه للمكان فإننا نفتقد حينها جماليات العرض وتفاعليته الإيجابيه مع المتلقي . ولقد شاهدت أربعة عروض مسرحيه في محور مسرح الشارع والفضاءات الغير تقليديه بالدورة السادسه بمهرجان شرم الشيخ هي حسب ترتيب عرضها بجدول المهرجان 1-عرض البجعات( تونس ) 2-عرض خدامه (تونس) 3-عرض الجار (الجزائر ) 4-عرض صخب بلا صوت (السعوديه ) ***ولقد لا حظت ان عرض (البجعات) كان عرض عرائسي صمم ليقدم علي العلبة الإيطاليه ولم يضيف او يخلق أية علاقة جديده مع المتلقي الذي انتظر مشاهدة العرض في ساحة السوق التجاري وأمام فضاء الشجرة العتيقه التي لم يتم توظيفها في سينوغرافيا العرض بل شعرنا ان الشجره تفصلنا عن المنظر المسرحي الذي بدا لنا عرض تقليدي يقدم علي علبة ايطاليه تم نقله إلي الفضاء الغير تقليدي دون مراعاة قواعد مسرحة هذا الفضاء المادي الطارئ ودراسة المتلقي المستهدف لمكان العرض . *** أما عرض الجار الذي عرض في فضاء الشارع أمام قصر ثقافة شرم الشيخ والذي انطلق بطل العرض ومؤديه من مصادفة جمهور المتلقيين بهبوطه من حافلة وهو يرتدي زي فولكلوري جزائري وقناع علي وجهه ليعبر عن شخصية "بنطلوني" حكاء العرض المتصالح مع ذاته والآخر ويأمل في ان يسود العالم الحب والسلام والذي وظف نهر الشارع في الإحتفال والرقص بمشاركة متلقييه ووزع عليهم اعلام ل36 دوله هي الدول المشاركه في فاعليات المهرجان فاتاح للمتلقي العربي المشاركه والتعاطف مع قضية عرضه لكنه لم يستطع كسر عوائق اللغه لغير الناطقين باللغة العربيه رغم مشاركتهم له الرقص والإحتفال كتأثير لحظي للموسيقي وربما لدعوة بطل العرض الذي أشار لهم ليشاركوه الرقص .لاشك أن عرض الجار هو عرض مسرح شارع راعي بطل العرض ومخرجه الطبيعة الإنفلاتيه لمكان العرض وفضاءه المادي الطارئ فحصد تفاعل إجتماعي إيجابي من متلقيه . *** عرض "صخب بلا صوت "هو عرض جاهز تم نقله من القاعات المخصصه للعرض المسرحي ليتم عرضه في مسرح مكشوف أمام قصر ثقافة شرم الشيخ لكن حقيقة استطاع مخرج العرض في مسرحة الفضاء المخصص للعرض بخلق أكثر من مستوي بصري سينوغرافي فنجده يستعمل الفضاء اسفل العلبه (الركح) كحديقة للمنزل واعلي العلبه كصحن المنزل وغرفة الإعاشه ويستخدم الجبل الكائن خلف المسرح المفتوح ليتلصص منه المشتري الإيطالي الذي يسعي لطمث هوية الأرض العربيه بتملكه لها .ورغم قصور الأداء التمثيلي لصناع العرض إلا أن بارقة النور تميزت في ان هذا العرض هو أول عرض سعودي يشارك فيه عنصر نسائي خارج حدود المملكه وفي مهرجان دولي للشباب ***عرض خدامه والذي انطلق من فوضوية مؤديه في الشارع الكائن بخليج نعمه لتوقف حركة السير بالشارع فتعجز السيارات حتي عن تشغيل آلة التنبيه الخاصة بها وهي تراقب سقوط المؤديين في نهر الشارع ووجوههم المشوهه وحالة الإعياء التي تظهر عليهم حتي يشكل المتلقيين حلقة دائريه حولهم فتتحول الفوضويه التي بدت في اول الأمر الي نظام جمالي يكسب تعاطف المتلقي والذي تجادل ثوريا بالهتاف ضد الفساد الذي ساعد علي التلوث البيئي وتردي حالة العمال وسكان المدينة التي بها مصنع يلقي بنفاياته في النهر .لقد وفق طلال أيوب في توظيف كل المساحة المتاحة في فضاء الشارع وإستطاع كسر عوائق اللغة واللهجات بإذاعة بعض المقاطع الصوتيه باللهجتين التونسيه والمصريه فضلا عن استخدامه في بعض مشاهد العرض للغة الجسديه للمؤديين لإيصال رسالة العرض لغير الناطقين باللغة العربيه فأراه وفق في دراسة المتلقي واستهدافه والتأثير فيه .فقدم عرض مسرح شارع بنسق مفاهيمي عربي وخلق علاقة جديده مع جمهور المتلقيين الذي صادف عرض" خدامه ". بقلم /حسام الدين مسعد
تعليقات