المقدمة التي كتبتها للمجموعة الشعرية المعنونة " تَذكرةٌ إلى كلبِ بغدادَ " للشاعر العراقي "مصطفى الش
- وهاب السيد
- 29 مارس 2021
- 3 دقيقة قراءة
المقدمة التي كتبتها للمجموعة الشعرية المعنونة " تَذكرةٌ إلى كلبِ بغدادَ " للشاعر العراقي "مصطفى الشيخ" :
يكاد مفهوم الادب الثوري، بدلالته الإستنهاضية لإرادة الشعوب العربية في التغيير الجذري لواقعها الرازح تحت نير تحالف ثالوث السلطات الشمولية ( السياسية، الطائفية الدينية، وقوة المال / مال القوة ) القاهرة لحريتها والمصادرة لكرامتها الانسانية وفق المعادلة الجدلية ( ظلم / عدالة ) ومرادفاتهما المتعارضة، ان يتأرشف في ذاكرة العرب الجمعية، بعد غياب كبار رموزها في التاريخ الادبي المعاصر ( على سبيل الاستشهاد: محمود درويش، نزار قباني، احمد مطر، مظفر النواب )، وغدت الساحة الثقافية تضجُّ ب " ابواق السلطة " من شُويعري ( اسد / نعامة ) ، وكرنفاليي شعاراتها القِناعية، اما اصحاب الكلمة المعترضة فلاذوا ب "جودي" الصمت و(التَّقيَّة) ، او متمترسين وراء استغراقهم في الرمزية، وسريالية الصور الشعرية، ومن آثر المنبرية، نراه يجنح للوصفية الحدثية، او الرثاء وتأبين الضحية، واستدرار العبرات، فلا عَمَّقَ للاعتراض فكرةً، ولانفخ في شرايين المظلومين جذوةً، اما من حاول البروز في ميدان الاحتجاج والتثوير، فعليه ارتداء كفنه، وكتابةُ قصيدته على ورقة وصيَّته. ان الشعر الثوري، في سائر معانيه وغائيته، هو موقفٌ حر ازاء ( آخر ) شمولي ، وخطابٌ رسالي تواصلي مع وعي المتلقي قبل مشاعره، فحِسية النص تذوى مع مرور الزمن وتكرار قراءته، اما مُتّكؤه العقلاني ( لاسيما في اشكاله المفتوحة، الطبقية المعاني ) فيُضفي عليه سمةَ التجدد وديمومةَ الوجود حياً، في عالم الابداع الادبي، كلما توالى فعل التعاطي معه، وسمة النص العقلانية لاتعني ان تكون على حساب خصائص لغته الفنية، وان كانت حداثوية / ما بعد حداثوية، ولاتعني تسييسه خطابياً أوأدلجته فكرياً، ولعل ثورية النص تبدأ بلغته ذاتها، من خلال تعاليها فوق المألوف, كسرها رتيب القياسات الجمالية الماقبلية، تنوع سياقاتها التعبيرية، وسائر المركبات البنيوية الاخرى، مع انسانيتها الرسالية، والنأي عن التموضع المكزماني، ماتعالق هذا مع قصدية المعنى النصي، في سيرورته الحدثية، والشعر الثوري تتعانق فيه الذات الأنوية مع الذات الكونية، وكثرما تتماهيان. وهذه المجموعة الشعرية، تحاول تأكيد ما اسلفت، وتجتهد لتملأ بعض ماتركه غياب رواد شعرنا الثوري، المار ذكرهم اعلاه، من فراغ في ساحتنا الادبية، من خلال معالجتها لموضوعة ثورة "اكتوبر/ تشرين 1 " ، التي اندلعت في وسط وجنوب العراق في 1 /10 / 2019 ، بسبب ماعاناه العراقيون من ظلم واضطهاد ومصادرة كرامتهم، وهضم ابسط حقوقهم المشروعة، من قبل مؤسسات السلطة الجائرة واحزابها الطائفية المافيوية ( الولائية / الذيلية لمن هم وراء الحدود في غالبيتها!! ) المهيمنة على جميع مفاصل الدولة وسالبة مقدرات وثروات البلاد، وقد لخص الثوار مطالبهم بشعار ( خرجت اريد وطناً ) ، وعلى الرغم من ان ارباب المؤسسات السلطوية لم يدخروا جهداً او وسيلة قمعية الا ولجأوا اليها من اجل اخماد هذه الثورة، كاغتيال وقتل المتظاهرين بأبشع الوسائل كالدخانيات ( وهي القذائف المسيلة للدموع التي كانت تطلق على رؤوس المتظاهرين ) ، التي عَنوَنَ بها الشاعر احد نصوصه، اضافة لترويع من يعازرها، وتعريضهم للخطف والتغييب والتهجير، غير ان ثنائية( ثورة / حرية ) قد تأصَّلت في شخصية ابناء الرافدين، لتكسر فيهم حاجز الخوف، وتترسخ كمركب اساس لبنيتهم السايكلوجية، مثلت سمتهم السلوكية المَوقفية ضد طغيان السلطة الشمولية، على امتداد تاريخهم، حتى الوقت الحاضر، واكتوبرية هذه المجموعة اول ما يعلنها نصها الموازي / الاهداء، حيث يذكر فيه الشاعر: { إلى/ أبن ثنوةْ الشهيد ( صفاء السراي ) ومنهُ إلى ثورة تشرين، لانَّ الثورة موقف } فالسراي ( 1993 ـ 2019 ) أيقونة الثورة الاكتوبرية، غالته شظية قنبلة سلطوية مسيلة للدموع ( دخانية ) اصابته في رأسه اثناء تواجده وسط الثوار يوم 28 تشرين الأول 2019 في " ساحة التحرير " ، يتيم الابوين و"ثنوة" امه، بغدادي ، عمل حمالاً، و كاتب عرائض رغم حصوله على الشهادة الجامعية، كانت له مشاركات فاعلة في التظاهرات الاحتجاجية ضد فساد السلطات واحزابها، في الاعوام 2011 ،2013 ( اعتقل )،2015 ،2017 ، 2018 (اعتقل). تعكس نصوصها روح الثورة، وارادة الخلاص من طغمة الظلام، بلغة حرصت على تداوليتها / تواصليتها، دون ان تقع في شراك المباشرة والتقريرية النثرية، محلقة بأجنحة الازاحات الدلالية والتركيبية، في انساق متينة الحبكة، وصور موازية للواقع، مع اضمار المعنى المقصود / السكوت عنه وتعددية الاحالات الداخلية والمقامية ( خارج النص ) ، بقصد عقد مقاربات معنوية سياقية باستدعاء دلالات بعض الاشارات المقامية، كما مع الاشارات: ـ " براون Brown" في قوله: ((ها أنا:_ أُمزّقُ تذكرتي نحو براون Brown إنّني أمقتُ كلبَ بغدادَ قبلَ السّفر وبعدَ التلگرام.)) فبراون هو رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون الذي زار بغداد / 2008، لترتيب أوضاع القوات البريطانية المتواجدة جنوبي العراق وتنظيم ذلك في اتفاقية بين وقعها رئيس وزراء العراق حينها !} ، وبؤروية ( كلب بغداد) الدلالية، يؤكدها ورودها في سياق عتبة عنوان المجموعة، وكذلك في سياق عتبة عنوان نص من نصوصها. ـ "هيرتا مولر" كعتبة عنوانية لأحد نصوصه، ف ( هيرتا ) روائية رومانية الاصل، عرفت بأعمالها الأدبية التي نقلت ظروف الحياة الصعبة في الجمهورية الاشتراكية الرومانية، وصورت آثار العنف والقسوة والإرهاب في ظل حكم الرئيس الروماني الأسبق نيكولاي تشاوتشيسكو} فالشاعر اتخذ من دلالتها المقامية مفتاحاً لنصه فهو يقول فيه: ((إلى ( هيرتا مولر ) : مع اليماماتْ.. إنَّهُ التُكتُكُ مرّةً أُخرى ..,)) ـ ( جُورج فلويد ) / اشارة مفتاحية أيضاً ـ "موسى كريدي" اديب عراقي معروف بمعالجته لموضوعة الموت والفناء، ومظاهر الخراب من الحياة البشرية. ـ ["المنغولي" /"جِـــكْـســـــــارات فَـــارِهَـــــــةْ"]...، وغيرها من اشارات.
باسم الفضلي العراقي
تعليقات