تجليات اللوحة الزيتية بالمغرب / مقالة للناقد محمد خصيف / المغرب ..........

مقالتي البحثية الصادرة بمجلة "التشكيلي" عدد 5، شتنبر 2021. جزيل الشكر إلى الأستاذ الصديق محمد منير وفريقه الرائع.

الرسام بلاس دي برادو (1545 – 1599)

-1- محمد خصيف*

احتضنت مدينة طليطية Toledo، مركز الحياة الفنية والفكرية والدينية لإسبانيا في القرن السادس عشر، عددا من القامات الفنية المرموقة، بينها الرسام والنحات والمعماري Domínikos Theotokópoulos المعروف ب إلجريكو El Greco (1541 ـ 1614)، الذي يعتبر من مؤسسي عصر النهضة الفنية الإسبانية، حيث إنه لعب الدور الأهم في استيراد النهضة الإيطالية إلى إسبانيا. إلا أنه لم يكن الرسام الوحيد الذي اشتغل في طليطلة في ذلك العهد، عهد العصر الذهبي، ولم يكن الوحيد الذي عرف بتنقلاته وأسفاره، فقد تحدثت المصادر عن معاصره الرسام بلاس دي برادو أو ديل برادو Blas de Prado (حوالي 1545-1599)، الذي قام برحلة إلى بلاد المغرب الأقصى، في العام 1593، بدعوة من السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي.

بلاس دي برادو، آخر البحوث

في مقالتها البحثية المهمة El viaje de Blas de Prado a Berbería en 1593 y el regreso del pintor (رحلة بلاس دي برادو إلى بربريا عام 1593 وعودة الرسام)، المنشورة عام 2016، ضمن إصدارات وقائع المؤتمر الوطني العشرين لجامعة كاستيلا لمانشا، التي خصصتها للذكرى المئوية الرابعة لوفاة الرسام El Greco تحت عنوان: "التراث الإسباني والحوار بين الثقافات". تناولت الباحثة الإسبانية الدكتورة ماريا تيريزا كروز يبار Dr. Maria Teresa Cruz YABAR من قسم تاريخ الفن بجامعة كومبلوتنسي Complutense بمدريد، رحلة الرسام بلاس دي برادو إلى المغرب. تأسس البحث على " ضوء وثيقتين غير منشورتين عن الرسام [مع التركيز على] تصحيح مختلف الأخبار التي أسيء نسخها وتفسيرها " ليوفر نظرة جديدة عن رحلة بلاس دي برادو الشهيرة إلى المغرب التي امتدت من عام 1593 إلى 1599، وعودته إلى إسبانيا، ويعطي فكرة واضحة عن نوع الأنشطة التي قام بها خلال السنوات الست الأخيرة من حياته.

المولد والنشأة

يشهد الأرشيف الفني الإسباني على ندرة المصادر المتعلقة بالسيرة الذاتية للرسام بلاس دي برادو، رغم الشهرة التي تميز بها، كفنان ينتمي إلى العصر الذهبي الإيبيري، بأسلوبه التَّصنُّعي Maniérisme ، المُستمِد روحَهُ من الفن البيزنطي وفنون النهضة الإيطالية. فمما دونه كتاب السير ومؤرخو الفن الإسباني، يشمل شذرات من المعلومات البيوغرافية المتباينة وغير الدقيقة. "ما الذي يعرف عن بلاس دي برادو" هو العنوان الفرعي الذي اختاره الكاتب José Gomez- MENOR للحديث عن سيرة الرسام الطليطلي، في الجزء الأول من Boltin de arte toledano . افتتح الكاتب دراسته الطويلة بقوله: "في السنوات الأخيرة، تم اتخاذ خطوة رائعة في دراسة وفهم رسام القرن السادس عشر الممتاز من طليطلة، لكن رغم ذلك مازالت هناك أشياء عديدة مفقودة تحول دون التوصل إلى معرفة حقيقية عن حياة بلاس دي برادو ونشاطه". حسب Menor أن أول من ذكر بلاس دي برادو هو الدكتور Cristóbal Suárez de FIGUEROA، المشهور بأسلوبه الأدبي الرشيق والرائع، ضمن قائمة الرسامين ال «مثيرة للاهتمام، والتي لها قيمة كبيرة" بين مشاهير فناني ذلك العهد، بل اعتبره المؤسس الأول للمدرسة الفنية الإسبانية في القرن السادس عشر . تتفق جل الوثائق على أن ميلاد بلاس دي برادو كان حوالي العام 1540. لقد جرت العادة في كامارينا، كما هي الحال في العديد من القرى الإسبانية الأخرى، بمنح المولود الجديد اسم القديس الذي تزامن مع يوم ميلاده، لذلك يحتمل أن بلاس دي برادو وُلِد وتعمًّد في أواخر يناير أو أوائل فبراير من الأعوام 1546 أو 47 أو 56 أو 59. والتاريخان الأوليان هما الأكثر احتمالًا . "في مذكرات السيرة الذاتية لبلاس دي برادو – الجزء الأول من هذه النشرة نفسها ـ حددنا التاريخ الأكثر احتمالًا لميلاد الرسام في فبراير 1546 أو 1547" . فهو الوحيد بين إخوته، دو دومينجو (1554) وإيزابيل (1549) وخوانا (1552) الذي لم يُضبَط تاريخ ميلاده، إذ أن سجلات المعمودية المتواجدة بكنيسة سان جيوفاني باتيستا في كامارينا، حيث يتواجد سجل أشقائه، لا تتوفر على أي إشارة مضبوطة ليوم ولادته.

الدراسة والتكوين

تلقى تكوينه الفني بكمارينا Camarena أو طليطلة Toledo ، بدائرة فرانشيسكو دوكومونتيس Francesco de Comontes (1526ـ1565)، الذي لقنه أساسيات فنه، وخوان كوريرا دو فيفار Juan Correa de VIVAR (1510ـ1566)، ثم التحق بمشغل الفنان ألونسو بيروجويت Alonso Berruguete (1490ـ1561). هل تعلم بعد ذلك على أيدي رسامين آخرين أم انتقل إلى إيطاليا ليتم تكوينه، ذلك ما يشك فيه بعض كتاب السير منهم لوفور ، لكن المؤرخين أجمعوا على أن أسلوبه الفني يتعالق مع بعض فناني النهضة الإيطالية، ضمنهم رفائيلو سانزيو Raffaello SANZIO (1483 ـ 1520).

يتبع...