رهاب / قصة قصيرة / للكاتبة فريزة محمد سلمان / سوريا .........
- وهاب السيد
- 26 فبراير 2022
- 2 دقائق قراءة
رهاب/قصة قصيرة.
في ظل جائحة كورونا، أُغلقت الأبواب في وجه الزائرين، وأصبحت البيوت سجوناً دون حراس،أغلقت المحلات أبوابها، والحدائق شبه خالية، المطاعم مغلقة،المدارس، المقاهي، شبح كوفيد، هز المدينة. كان "علي" من هواة المشي الطويل، فكان يقطع المدينة من أولها لآخرها مشيًا على الأقدام_ مدينتنا صغيرة لايبلغ قطرها أكثر من خمسة كيلومترات_ كان له في كل حارة محطة،هنا يحتسي الشاي، وهناك فنجان قهوة، مع كل مايرافقه من فواكة أو حلويات، شهيته مفتوحة على كل ممنوع، فمريض السكّري على قوله" يشتهي". فقطعة من هذا ،وقطعة من ذاك، وتفسد كل حميته، ويعوض كل ماخسره من سعرات أثناء تريضه. ساءت حالة علي مؤخراً، فقد التزم منزله بسبب الجائحة،كما التزم معظم الناس بيوتهم،ارتفاع السكر أفسد كبده، وتحول لونه إلى الأصفر الباهت وزادت آلامه. يقول الدكتور إن كبده انتهى وهو في أسوأ أيامه. لم يعِ علي الحالة التي وصل إليها، هانت الدنيا بعينيه، ولكنه لم يقنط أبداً، ولم يضع سيناريو الموت أمامه، فكنت يومياً أحادثه عبر النت، يشتكي لي آلامه، وأنه رغم الأدوية لم يتحسن، ويصرُّ أن لاأذهب إليه، وأن لاأعرّض نفسي لوباء العصر، كوني سأستخدم المواصلات العامة في تنقلاتي، وإن الكمامة والتعقيم، لايكفيان فأغلب الناس لايملكون ثمن تغيير الكمامة بشكل يومي، عدا عن عدم ارتدائها ونزعها بالشكل السليم. عند زيارتي له وكنت قد تخطيت كل الحواجز والمحظورات لأصل إليه، بكيت بحرقةأم، أنا التي فقدتُ أمي منذ سنوات، والتي كانت تحبه محبةً فوق الوصف، هو بكرها الذي جاءها في المنام وهي حامل به،على هيئة درويش تقي،طلب منها أن يبقى عندها، لكنها رفضت بحجة أن زوجها مسافر ولايوجد في البيت محرم، ولايجوز له وهو الشيخ الورع أن يدخل بيوتاً لارجال فيها،لكنه أصرّ ودخل البيت عنوة. تصحو وهي تصرخ به ألا يدخل عليها، تداهمها آلام المخاض ويأتي الدرويش ابناً، صبياً مع جهجهة الصباح. نقلنا عليّ إلى المشفى، بعد نقاش حاد كونه يعاني رهاب المشفى من صغره،إثر حادثة غيرت مجرى حياته، والقصة بدأت برهان أولادٍ مراهقين، في يوم عطلة، خرجوا إلى البحر، سبحوا فيه وأمضوا يوماً جميلاً، وفي طريق العودة، لعب الشيطان بعقولهم وأقنعهم "شاكر" أن الرجل بسيجارته وأنهم مازالوا أطفالاً ويخافون زجر أمهاتهم. تحدّاهم بسخرية، وأعلن عن استعداده أن يشرب علبة السجائر "الحمراء القصيرة" كلها، قبل أن يصلوا بيوتهم. لعبت الرجولة في الأولاد وبدأوا الرهان. يبدو أن المقصود والمتفق عليه "علي" ، وهو الفتى الذي لايعرف الكذب والرياء، ولا المداورة والأهم أنه من بيت لاتدخين فيه ولامسكرات. مضى الوقت عليه بطيئاً، فهو لم يستسغ السيجارة، ولكنه لم يتراجع. انتهت علبة السجائر وكان "علي" قد فقد بعضاً من توازنه ودارت به الدنيا. أوصلوه إلى باب البيت وهربوا، طار عقل أمه لرؤيته أصفر مغبر، يراجع حشيشة معدته، دخل المشفى إسعافياً، وأجري له غسيل معدة،وأعلم الطبيب والده، بأن ابنه أصيب بالتسمم بسبب التدخين، ذهل الأب،وخرس لسانه آنذاك،ومن يومها علي لايدخن، ويهاب المستشفيات . دخل المشفى أسبوعاً عانى الآلام المبرحة،مرضاً،وسجناً هو الذي يهوى الانفلات للحرية، لاأصحاب لاأهل،" تباً كورونا،تباً للسكّرى وتباً لكل شيء، أريد أن أخرج الآن، لاأريد أن أموت هنا". كان يصرخ بالممرضة،في آخر يوم له إثر نوبة ألم حادة،دخل بعدها بغيبوبة، جاءه ملك الموت أثناءها، ورحل معه بهدوءٍ، دون رهاب. تمت بقلمي فريزة محمد سلمان.
Comments