ظواهر السلوكات الانسانية غير السوّية في العالم الافتراضي/ مقال لمياء العامرية / الجزائر.........

بقعة ضوء ..

والمجهول عن التناصّ الادبي ..

بقلم لمياء بودوخة

في العقود الاخيرة والتي استحوذ فيها عالم الانترنت الافتراضي وتعدد برامجه كشبكة عنكبوتية عالمية لا تقيدها حدود ومنها شبكات التواصل الاجتماعي والبريد الالكتروني وغيره على عالم الواقع الملموس والمباشر بشكل خطير . برزت من خلاله انواع السلوكات الانسانية السويّة الايجابية وغالبا انواع من السلوكات الانسانية غير السويّة التي اتسمت في خانة علم النفس بعدة جوانب منها التحيّز والصور والافكار النمطية والتفكير والاستدلال والاحباط والتكيف . ومع اختلاف وتباين سمات وسلوكات البعض عن البعض الاخر من حيث الانحراف السلوكي والعدائية تجاه الاخرين غير ان السمة الغالبة هي تسمية هذه الظاهرة عموما ب ( السلوك المنحرف ) او ( السلوك الانساني غير السويّ ) واللافت للنظر ان تطور السلوك غير السوي يقابله تضادا مع تطور السلوك الانساني السوي من خلال تعدد واختلاف التنشئة الاجتماعية وغيرها . الظاهرة الابرز والتي شكلت منعطفا وعلامة فارقة في ظهور وتنامي هذه السلوكات المنحرفة هي ظاهرة الاستحواذ الالكتروني في العالم الافتراضي والذي اظهر ابرز عناوين هذه الظاهرة بشكل واسع وخاصة فيما يتعلق بالكم المهول من التدفق في المنشورات وتناقلها بسلاسة ويسر وما يصاحبها من اشكاليات توارد الافكار او التضمين والاقتباس والتناص الادبي ، وما ينتج من حالات من الاستيلاء او الاشتباه باستيلاء البعض على نصوص البعض الاخر مما يخلق حالة من الصراع وانتهاج اساليب عدائية تصل لدرجة التشهير والايذاء المعنوي دون تبيّن من قبل فرد او مجموعة افراد ضد شخص اخر . نظرة سريعة على مفهوم التناص واشكاله قد تجلي الحقائق وبعض الصور الضبابية السلبية لتكون الرؤى اكثر وضوحا وانصافا واعمق استدلالا منطقيا . فالتناصّ الادبي اصطلاحا ، هو العلاقة التي تربط نصا ادبيا بآخر مع وجود علاقات بين النصوص القائمة على فكرة او قاعدة عدم وجود نص ما من العدم ما لم يكن قد سبقه نص مشابه ، اذ ان كل نص في حقيقته يعتمد في وجوده على وجود نص اخر سواء من حيث الفكرة او من حيث تواردها او تشابه الالفاظ والتراكيب اللغوية فيها . وللتناص عدة اشكال فقد يكون تناصّا في الشكل والمضمون والذي يعنى ببنية النص واركانه ومحسناته البديعية ، وقد يكون تناصّا اجباريا او اختياريا كما في اشكال نصوص المعارضة او النقيضة ، فالمعارضة تقتضي التناص مع النص المُعارَض وان لم يكن حرفيا وقد تاتي الفكرة لتعارض الاخرى اما النقيضة فتأتي لهدم النص الذي سبقها بغية اعادة مضمونها ومغزاها واعادة بناءها من وجهة نظر مختلفة وهذا الاسلوب قديم قدم تاريخ الشعر والادب . هنا تبدأ الجدلية والظاهرة الاشكالية بين رواد العالم الافتراضي فيما بينهم مما يخلق حالة الصراع المتسم بالسلوكات المنحرفة غير السويّة . ومن ابرز مظاهرها المنحرفة واللامنطقية : 1- ظاهرة التحيّز والتي تعني الحكم دون التبيّن والاستدلال الواجب والنظر في الحقائق دون الانحياز والوقوف على افتراضات معينة يكون غالبها سلبا يصعب تصويبه ، كما تؤدي الى انتهاج مواقف عدائية غالبا ما تكون جماعية تجاه الاشخاص او المواقف . 2- الصور والافكار النمطية والمقصود بها تلك الصور التي تثبت راسخة في ذهن الفرد او المجموع حول الاخرين والتي تعكس ظواهر اجتماعية مختلفة مبنية على اسس الخبرة والقيم والانطباعات بدون التبيّن والمعرفة والخبرة اللازمة وغالبا ما يشترك البعض في توحيد هذه الصور والافكار النمطية باتجاه سالب . كل هذا يؤدي الى خلق حالة من العدائية المفرطة والسلوك المنحرف غير السويّ او ما يطلق عليه بالتنمّر Bullying والذي يعتبر شكلا نمطيا من اشكال العنف والايذاء التصريحي او الضمني بقصد الاساءة والنيل من الآخر لغرض الهدم ، واخطر انواع هذا الداء هو التنمر الالكتروني لسعة انتشاره وسرعة تداوله ويعد النوع الاكثر انتشارا والاكثر خطورة . وغالبا ما يكون امثال هؤلاء المنحرفين سلوكيا هم الاشد شعورا بالنقص ومحاولة اثبات الذات ومنع انهيارها امام تفوق الاخرين ويتسمون بالعدائية والسلوك غير السويّ محاولين بشتى السبل هدم الاخر والتشهير به او النيل منه .