top of page

قصة قصيرة/رؤية خطيرة /للقاص أمين الساطي/ سوريا ..............

  • صورة الكاتب: وهاب السيد
    وهاب السيد
  • 22 أكتوبر 2022
  • 3 دقائق قراءة

خرج من منزل خطيبته غاضباً، وما كاد يهمُّ بنزول درج البناء، حتى لحقت به أم خطيبته وبيدها كيس صغير قديم من البلاستيك الأسود، وأعطته إياه قائلة: "مالك نصيب عنا، هي ذهباتك الله يهنيك فيهم"، ورجعت بسرعة مغلقةً الباب خلفها خوفاً من ردة فعله. كان في الكيس جميع الهدايا الذهبية التي قدمها لخطيبته. شعر في هذه اللحظة بأن هذه المرأة اللعينة، قد مسحت كرامته ببلاط الدرج، فأحس بازدياد ضربات قلبه وبرعشة مفاجئة خفيفة في جسمه. لم يكن بودِّه أن تتطور هذه الجلسة مع خطيبته سلمى وأهلها إلى هذا الحد. لقد كان يتوقع من سلمى أن تقف إلى جانبه خلال النقاش بسبب علاقة الحب التي تجمعهما، وكان موقناً بأن حبهما قادرٌ على أن يتخطى كل المشاكل المادية التي تخلقها له حماته. فقد سيطرته على أعصابه، عندما قالت أم خطيبته في أثناء المناقشة، موجهة كلامها لابنتها: "اتركيه، هناك مئة طبيب ومهندس يتمنون صرمايتك"، فشعر بالإهانة، لكونه مدرساً للغة الفرنسية، فأجابها: "شو ناطرين"؟ فتطور مجرى الحديث لدرجة أن حماته بالنهاية طردته من المنزل. صفَّت سلمى إلى جانب أمها، ولم تدافع عن موقفه، فأدرك بلحظتها أن سلمى ما هي إلا صورة ذهنية رسمها في مخيلته عن بنت مثالية جميلة غير موجودة، والآن قد تمزقت هذه الصورة، وظهرت سلمى على حقيقتها. بعد أن دخل غرفة نومه، شغَّل التلفزيون وأشعل سيجارته، وبدأ يحملق في حلقات الدخان وهي تتصاعد في هدوء نحو سقف الغرفة، وفي داخله عدة أصوات تتحدث في الوقت نفسه عن الحب والانتقام. لم يعد يجد لذة في تدخين السيجارة، ولا الاستمرار بهذه الحياة. شعر بالعجز لعدم قدرته على التحكم بمصير علاقته بسلمى التي يجد فيها اللذة والسعادة، أخذ يلوم نفسه لأنه تسرع في مجابهة حماته السابقة، لقد تعرض خلال حياته إلى نوبات اكتئاب كثيرة، ما جعله يفقد ثقته بنفسه، أحس بأن قدرته على الاستمتاع بالحياة تتلاشى. نظر بخوف إلى علبة الحبوب المهدئة للأعصاب الموجودة على الطاولة أمامه، والتي اشتراها من الصيدلية منذ يومين. رفعها بيده، وبدأ يقلبها بأصابعه بهلع، وهو مسترخٍ على الكنبة. إنها ما زالت مختومة، وفيها ثلاثون حبة، تصور أنه إذا بلع كل هذه الحبات مع كأس الماء الموجود بجانبه، فسيذهب في رحلة طويلة، بعيداً عن متاعب هذه الحياة التي لا تنتهي. التقطت عيناه الفارغتان منظراً لمذيعة في نشرة أخبار التلفزيون المسائية، وهي في زيارة لمشفى بيروت الحكومي المكدس بالجرحى نتيجة للانفجار الضخم الذي حدث مساء البارحة في مرفأ بيروت، وأدى إلى أضرار كبيرة، لأنه ترافق مع موجة صادمة أدت إلى تهشيم الواجهات الزجاجية للمباني، فتطايرت قطع الزجاج في الهواء، وخلفت الآلاف من الجرحى والمشوهين. بطريقة غير مباشرة قارن وضعه مع هؤلاء الجرحى المساكين الممددين في المشفى، فشعر أن عليه الامتنان للأشياء الجيدة التي يمتلكها في حياته، والنعم التي حصل عليها من دون مقابل. لعل ذلك الشعور أيقظ الوازع الديني في أعماقه، ما جعله يتردد في الإقدام على أخذ الحبوب، إن فكرة الانتحار هي قمة التحدي لله الذي منَّ عليه بهذه الهدية، والآن بدأ يفكر في رفضها لأنها لم تعجبه، ويود أن يعيدها إلى صاحبها، إنه احتجاج صامت على تدابير الله، من أجل فتاة كانت توهمه منذ قليل بأنه فتى أحلامها، ولكنها بعد أن حصلت على عريس أفضل منه قد تخلت عنه، إن فكرة الانتحار قد تكون في مفهومها أسوأ من عملية رفض إبليس للسجود لآدم، لأن الذي منع إبليس من ذلك هو التكبّر، وليس الاعتراض على قدر الله. عندما وصل إلى هذه النتيجة، شعر بنوع من الارتياح، فحمد ربه على اكتشافه لحقيقة سلمى قبل أن يتزوجها. نهض عن الكنبة، واتجه مسرعاً باتجاه الصيدلية، لكي يصل إليها قبل أن تغلق أبوابها مع نهاية الدوام، ليعيد علبة الدواء، وليستعيد مبلغ عشرة آلاف وخمسمئة ليرة لبنانية من الصيدلي. بينما هو في طريقه إلى الصيدلية، غارقاً في النشوة لرؤيته هذه الحقائق البعيدة، صدمته سيارة مسرعة وهو يقطع الشارع، فتسبب الحادث بإصابته بعدد من الكسور الخطيرة في أنحاء جسده، وتم نقله إلى مشفى بيروت الحكومي، وأجريت له عملية جراحية لجبر الكسور التي لحقت به، إلا أنه فارق الحياة بعد يومين متأثراً بإصابته البليغة.

أعجبني تعليق مشاركة منح

 
 
 

Comments


Drop Me a Line, Let Me Know What You Think

Thanks for submitting!

© 2023 by Train of Thoughts. Proudly created with Wix.com

bottom of page