مشيئة الله والخريف/ قراءة في نص الشاعر محفوظ فرج / غيثاء فجر بو حسن/ سوريا................
- وهاب السيد
- 29 مارس 2022
- 4 دقائق قراءة
الشاعر محفوظ فرج المدلل .......... وردةٌ في الخريفِ رَقَّتْ وَمالَتْ نحوَ أوراقِها تُريها خُضوعا وَخُمولاً لا يعتريهِ فَكاكٌ من تلابيبِهِ سقاماً وجوعا أَوْ كَصَبٍّ ثوى من العشقِ حَتّى هَدَّهُ هجرُ مَنْ أَحَبَّ صريعا ................ قُلْتُ جوريَّتي الحبيبةَ ماذا حلَّ واصطادَكِ الخريفُ سريعا؟ فأجابتْ أنْ حكمةُ اللهِ في الخلقِ جميعاً إلى معادٍ رجوعا تَتَرامى أرواحُنا خافتاتٍ بنثارٍ كالذَرِّ يعلو مطيعا و إليها مشيئةُ اللهِ تُملي تلكَ يُعطى لها مكاناً رفيعا وَلِذي أبخسُ المحلِّ سَتَبقى بعذابٍ لا تسطتيعُ نزوعا هوَ يقضي جَلَّ الإلهُ تعالى عندهُ حكمةُ المآلِ جميعا فارْحَمَنْ يارحيمُ فينا نفوسا وَحَّدتْ اسمَكَ الجليلَ خشوعا وَسَرَتْ سنَّةُ الحبيبِ كنورٍ في دِمانا حُبَّاً وشوقاً فظيعا فدعوناكَ للصلاةِ عليهِ إنَّهُ للحياةِ دامَ ربيعا وهوَ يومَ اللقاءِ عندَ حسابٍ يَتَجلّى للمؤمنينَ شفيعا ولِمَنْ في الوغى رجالٌ شدادٌ يدرؤنَ الخطوبَ سَدّاً منيعا محفوظ فرج 14 / 10 / 2016 م 13 / محرم / 1438هـ ...................... المبدعون و الأسئلة الوجودية الشاعر محفوظ فرج المدلل يقول في قصيدته مشيئة الله والخريف وردةٌ في الخريفِ رَقَّتْ وَمالَتْ نحوَ أوراقِها تُريها خُضوعا ...................... أَوْ كَصَبٍّ ثوى من العشقِ حَتّى هَدَّهُ هجرُ مَنْ أَحَبَّ صريعا ........ الأسئلة الوجودية الثلاث تبدأ بالسؤال الأول: من أنا؟! و السؤال التالي هو: من أين أتيت؟ و السؤال الأخير: إلى أين أمضي؟ .................. هذه أسئلة تتردد في أفئدة البشر، على اختلاف أعمارهم و ألوانهم و بلدانهم. ............. ويبدو أن الشاعر قد أجاب على السؤالين الأولين فبعد أن أيقن باعتناق سماته الشخصية التي تميزه عن غيره، و تعمق في المعرفة من خلال الخبرة التي جمعها طوال سنوات عمره حتى توصل إلى إدراك (من أين أتى) نجده يفترض أننا أو على الأقل بعض منا قد تجاوزنا من دربنا المسافة التي أجبنا معها على السؤالين إياهما فها هو يستوقفنا و يستوقف نفسه، في الجزء الأخير من تجربة كل إنسان حيث يصل إلى التساؤل الذي لابد منه إلى أين أمضي؟ فيبدأ قصيدته بهذا التساؤل هذه الأيام التي تمضي بنا ما هي إلا وردة قد حان وقت ذبولها وزوالها وردةٌ في الخريفِ رَقَّتْ وَمالَتْ نحوَ أوراقِها تُريها خُضوعا ........ وحال تلك الورد هو تماما كحال عاشق أضناه الهجر أَوْ كَصَبٍّ ثوى من العشقِ حَتّى هَدَّهُ هجرُ مَنْ أَحَبَّ صريعا ........ فيسأل الشاعر أيامه التي يراها تمضي في غياب قُلْتُ جوريَّتي الحبيبةَ ماذا حلَّ واصطادَكِ الخريفُ سريعا؟ ........ فيأتي الجواب الذي هو في الأصل لبوسٌ أصيل في عنوان القصيدة فأجابتْ أنْ حكمةُ اللهِ في الخلقِ جميعاً إلى معادٍ رجوعا ....................... وهنا ينفتح أمامنا سجال الفكر الوجودي بين الذين يشعرون بالأمان من خلال الإيمان الروحي وبين من لا يقبلون إلا بما هو مادي أي خاضع للقياس بالحواس الخمسة ................ الشاعر محفوظ فرج يستمد أمانه من خلال إيمانه الروحاني النابع من التوحيد فنحن الذين تؤمن أرواحنا بأن منشأها هو من لدن الله سبحانه وتعالى نجيب أنفسنا على السؤال الأول: من أنا؟ والجواب أنا مخلوق مُكرَّم بين مخلوقات الله و السؤال الثاني (من أين أتيت) جوابه (من نبع رحمته وحكمته) فإن تولد سؤال آخر هنا كأن يكون لماذا أتيت إلى هذا العالم؟ سيكون الجواب أتيت لأحقق مشيئة معينة فأنا لست مخلوقا بلا هدف ويتولد سؤال آخر كيف سأحقق تلك المشيئة والجواب بالعمل الدؤوب على صقل معارفي التي تمكنني من تعرية الفروق بين اختياراتي ........... اختيارات؟ قد يسأل سائل إن كان الدرب مقدرة وفق مشيئة الله وليُّ الروح فكيف سيكون لدينا حرية الاختيار سيأتي الردّ على سؤاله الاختيار هو طبيعة خلق هذه الروح كي تتحمل مسؤولية أعمالها ثم إن الله سبحانه وتعالى يريد لنا الفرح وما حرية الاختيار التي منحنا إياها إلا ضمان لتحقيق هذا الشعور عندما نجد أن اختيارتنا الصحيحية أدت إلى نتائج صحيحة .................. في قصيدة (مشيئة الله والخريف) اللفتة الروحانية النابعة من التوحيد تتجلى في شعور الأمان الذي يغلف أبيات القصيدة برداء الرضا الذي يغنمه الإنسان عند قبول الأقدار التي لا يمكنه تغييرها ................ وقفة بلاغية الشاعر محفوظ فرج المدلل يقول في قصيدته وردةٌ في الخريفِ رَقَّتْ وَمالَتْ نحوَ أوراقِها تُريها خُضوعا ............... أَوْ كَصَبٍّ ثوى من العشقِ حَتّى هَدَّهُ هجرُ مَنْ أَحَبَّ صريعا ............... التشبيه يعني وجود وجه شبه معين بين طرف أول وطرف ثان مثال تُريها خُضوعا المشبه هو الوردة المشبه به الإنسان وقد حُذِف وبقي شيء من صفاته وهو وجه الشبه الخضوع وهذا التشبيه هو الاستعارة المكنية ................... و من أنواع التشبيه أيضاً التشبيه التمثيلي وهو التشبيه بين حالة معينة للطرف الأول ذبول الوردة بعد وقتٍ من جمال تفتّحها وحالة معينة للطرف الثاني عاشق أضناه الهجر بعد سعادة الوصل فيأتي وجه الشبه هو الاضمحلال بعد الزهوّ ووجه الشبه هنا يأتي كما لو أنه حكمة استنبطت من الحالين السابقين ................... فالتشبيه التمثيلي قدم صورة أو لوحة متكاملة للطرف الأول وردةٌ في الخريفِ رَقَّتْ وَمالَتْ نحوَ أوراقِها تُريها خُضوعا ............... ثم قدم تمثيلاً لها في صورة أخرى وهي لوحة متكاملة بدورها أَوْ كَصَبٍّ ثوى من العشقِ حَتّى هَدَّهُ هجرُ مَنْ أَحَبَّ صريعا ............. ثم أخذ من اللوحتين وجه شبه أو حكمة يخبرنا من خلالها أنه لا دوام لحال معينة في هذا الوجود العابر في أقداره و أيامه ...................... ومن أمثلة التشبيه التمثيلي في القرآن الكريم قول الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261 ........................ فالله سبحانه وتعالى يقدم (المَثَلَ) لأنه يترك أثراً بليغاً في نفس المؤمن فمن يقوم بأعمال صالحة يضاعف لها ثمراتها كما تنمو حبة القمح في تربة صالحة إلى حبات في سنابلها ............................ فالمشبه: حال من ينفق في سبيل الله والمشبه به: حال من بذر حبة فأنبتت سبع سنابل ووجه الشبه: الله يضاعف لمن يشاء و هو صورة من يعمل عمل طيّباً فيجني منه الكثير من ثمار العمل ............ بالنسبة للشعر أين يقع التشبيه التمثيلي في القصيدة؟ أولا قد يرد في بداية القصيدة بحيث تقاس له و تتمثل به محتويات الرسالة التي يريد الشاعر تبليغها إلى المتلقي ................ ثانياً قد يرد في نهاية القصيدة فيشكّل الخلاصة التي توصّل إليها الشاعر بعد أن جاب عوالمه الشعرية فيقدم عصارة فكره في نتيجة تبرهن على مقدماته .................. الرسالة التي يريد تبليغها الشاعر محفوظ فرج المدلل وردت في بداية قصيدته أي الشاعر أورد التشبيه التمثيلي في بداية قصيدته لتمضي بقية محاور أفكار القصيدة على متن سفينة الحكمة هذه وهي أن حوادث الأيام ما هي إلّا إلى زوال رحلة موفقة لكم في هذا الكون المؤقت العابر غيثاء فجر بو حسن/ سوريا آذار 28 (مارس) 2022 .................
تعليق
مشاركة
Comentários